ج ٢٩، ص : ٨٤
ولما اعتلى عرش مصر « محمد على » رأس الأسرة المالكة فى مصر فى أوائل القرن الثامن عشر، وساس البلاد بحكمته، وسعى جهد طاقته فى تنظيم مرافقها من زراعة وصناعة ومعارف وعلوم، تكاثر النسل وما زال يزيد، ونهج أبناؤه وحفدته نهجه حتى بلغ عدده فى عصرنا الحاضر نحو عشرين مليونا.
(٤) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) أي ويوجد لكم بساتين عامرة تأخذون من ثمارها ما به تنتفعون، ولن يطمع الناس فى الفاكهة إلا إذا وجدت لديهم الأقوات، وكثرت الغلات.
(٥) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية بها يكثر الخصب والزرع بمختلف ألوانه وأشكاله.
لا جرم أن الأمة الكثيرة البساتين والمزارع، يعمها الرخاء، وتسعد فى حياتها الدنيوية.
وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال له : استغفر اللّه، وشكا إليه آخر الفقر وقلّة النسل فقال له : استغفر اللّه، وشكا إليه ثالث جفاف بساتينه. فقال له :
استغفر اللّه، فقال له بعض القوم : أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال : ما قلت من نفسى شيئا، إنما اعتبرت قول اللّه عز وجل حكاية عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه :« اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ » الآية.
وبعد أن أدّبهم الأدب الخلقي بطلبه منهم تهذيب نفوسهم واتباعهم مكارم الأخلاق، شرع يؤدبهم الأدب العلمي بدراسة علم التشريح، وعلم النفس، ودراسة أحوال العوالم العلوية والسفلية فقال :
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) أي مالكم لا تخافون عظمة اللّه وقد خلقكم على أطوار مختلفة، فكنتم نطفة فى الأرحام، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم كسا عظامكم لحما، ثم أنشأكم خلقا آخر، فتبارك اللّه أحسن الخالقين.