ج ٣، ص : ١٠
ومن لم يحج، وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار كقوله :« وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ».
ذاك أن العلة في منع الزكاة ونحوها من النفقات الواجبة، أن حب المال أعلى فى قلب المانع من حب اللّه تعالى، وشأنه أعظم في نفسه من حقوقه عز وجل، والنفس تدعن دائما لما هو أرجح لديها نفعا، وأعظم في وجدانها وقعا.
وظلم الباخل بفضل ماله على ملهوف يغبثه، أو مضطر يكشف ضرورته، أو على المصالح العامة التي تقى أمته مصارع السوء، أو ترفع من قدرها، أو تزيل العقبات من طريقها - من أقبح أنواع الظلم، فلا يعذر صاحبه بوجه من الوجوه التي يتعلل بها سواه ممن ظلموا أنفسهم.
وإن حال المسلمين اليوم لتوجب الأسى والحزن، فترى أغنياءهم يعرفون حاجة أمتهم إلى بذل المال في إنشاء دور العلم، لينشلوها من بحار الجهل التي هى غارقة فيها وإلى رفع مستوى أخلاقها التي وصلت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط، حتى عمّ الفقر والشقاء، ثم هم بعد ذلك يبخلون بفضلة مما أعطاهم اللّه من رزقه، لتكون بلسما تداوى به تلك النفوس المكلومة، وعلاجا لهذه الأمراض التي انتابتها.
ومثل هؤلاء لا يستحقون أن ينسبوا إلى الإسلام، ولا أن يكونوا من المسلمين، إذ ليس في أحدهم عرق ينبض أو يتألم لمصايب المسلمين، فمن كان يرى أن ماله أفضل من دينه في الوجدان والعمل، وهو أرجح من رضوان ربه، فهو كافر بنعمته وإن سمى نفسه مؤمنا، فما إيمانه إلا كإيمان من نزل فيهم « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ».
وقد أنذر اللّه مثل هؤلاء بقوله :« ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ».