ج ٣، ص : ١٠٠
(١) رأى بعض السلف وهو الوقوف على لفظ الجلالة، وجعل قوله : والراسخون فى العلم كلام مستأنف، وعلى هذا فالمتشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه، واستدلوا على ذلك بأمور منها :
(ا) أن اللّه ذم الذين يتبعون تأويله.
(ب) أن قوله (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ظاهر في التسليم المحض للّه تعالى ومن عرف الشيء وفهمه لا يعبر عنه بما يدل على التسليم المحض.
وهذا رأى كثير من الصحابة رضوان اللّه عليهم كأبىّ بن كعب وعائشة.
(٢) ويرى بعض آخرون الوقف على لفظ (العلم) ويجعل قوله :(يَقُولُونَ آمَنَّا) كلام مستأنف، وعلى هذا فالمتشابه يعلمه الراسخون - وإلى ذلك ذهب ابن عباس وجمهرة من الصحابة، وكان ابن عباس يقول : أنا من الراسخين في العلم، أنا أعلم تأويله.
وردّوا على أدلة الأولين بأن اللّه تعالى إنما ذم الذين يبتغون التأويل بذهابهم فيه إلى ما يخالف المحكمات يبتغون بذلك الفتنة، والراسخون في العلم ليسوا كذلك فإنهم أهل اليقين الثابت الذي لا اضطراب فيه، فاللّه يفيض عليهم فهم المتشابه بما ينفق مع فهم المحكم، وبأن قولهم (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) لا ينافى العلم، فإنهم لرسوخهم فى العلم ووقوفهم على حق اليقين لا يضطربون، بل يؤمنون بهذا وذاك لأن كلا منهما من عند اللّه وليس في هذا من عجب، فإن الجاهل في اضطراب دائم، والراسخ في العلم ثابت العقيدة لا تشتبه عليه المسالك.
ووجود المتشابه الذي يستأثر اللّه بعلمه من أحوال الآخرة - ضرورى لأن من مقاصد الدين الإخبار بأحوالها، فيجب الإيمان بما جاء به الرسول من ذلك، وهو من عالم الغيب نؤمن به كما نؤمن بالملائكة والجن، ولا يعلم تأويل ذلك : أي حقيقة ما تئول إليه هذه الألفاظ إلا اللّه. والراسخون في العلم وغيرهم في مثل هذا سواء، لأن الراسخين يعرفون ما يقع تحت حكم الحس والعقل، ولا يستشرفون بأنظارهم إلى معرفة حقيقة