ج ٣، ص : ١٢٧
فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أىّ دين أنت يا محمد ؟ قال على ملة إبراهيم ودينه، قالا فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
فهلمّوا إلى التوراة فهى بيننا وبينكم، فأنزل اللّه الآية.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي ألم تر إلى هؤلاء الذين تستحق أن تعجب لهم من اليهود - كيف يعرضون عن العمل بالكتاب الذي يؤمنون به إذا لم يوافق أهواءهم ؟
(وهذا دأب أرباب الديانات في طور انحلالها واضمحلالها).
وقد كانوا يتحاكمون إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهم ماضوا العزيمة على قبول حكمه حتى إذا جاء على غير ما أحبوا خالفوه ونكصوا على أعقابهم، فقد زنى بعض أشرافهم وحكّموه فحكم بينهم بمثل حكم كتابهم فتولّوا وأعرضوا عن قبول حكمه، إذ هم إنما فزعوا إليه ليخفف عنهم.
وقوله نصيبا من الكتاب هو ما يحفظونه من الكتاب الذي أوحاه اللّه إليهم وقد فقدوا سائره، وهم لا يحسنون فهمه ولا يلتزمون العمل به.
فهذه الكتب الخمسة التي تسمى بالتوراة وتنسب إلى موسى عليه السلام، لا يوجد دليل على أنه هو الذي كتبها، إذ ليست محفوظة حتى يمكن الحكم عليها، بل قام الدليل لدى بعض الباحثين من الأوربيين على أنها كتبت بعده بخمسمائة سنة، كما لا تعرف اللغة التي كتبت بها أول مرة، ولا دليل على أن موسى كان يعرف اللغة العبرية، وإنما كانت لغته المصرية، فأين التوراة التي كتبها بتلك اللغة، ومن ترجمها ؟
(ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي إنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب تتولى طائفة منهم بعد تردد وجذب ودفع، وقد كان من دواعى الإيمان به ألا يترددوا في إجابة الدعوة إليه، إذ هو أصل دينهم، وعليه بنيت عقيدتهم.