ج ٣، ص : ١٤٠
أوامره التي جاء بها واجتناب ما نهى عنه، وبذا يكون المرء أهلا لمحبته، مستحقا لغفران ذنوبه.
روى أن هذه الآية نزلت حين دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كعب ابن الأشرف ومن تابعه من اليهود إلى الإيمان فقالوا « نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ » فأمر اللّه نبيه أن يقول لهم : إنى رسول اللّه إليكم أدعوكم إليه، فإن كنتم تحبونه فاتبعونى وامتثلوا أمرى يحببكم اللّه ويرض عنكم.
الإيضاح
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي قل لهم :
إن كنتم تريدون طاعة اللّه وترغبون في العمل بما يقرب إليه طلبا للثواب فيما عنده، فاتبعونى بامتثال ما نزل به الوحى منه إلىّ، يرض اللّه عنكم ويتجاوز عما فرط منكم من الأعمال السيئة، والاعتقادات الباطلة، ويبوئكم في جوار قدسه، إذ في هذا الاتباع اعتقاد الحق والعمل الصالح، وهما يزيلان من النفس آثار المعاصي والرذائل، ويمحوان منها ظلمة الباطل، وأثر ذلك المغفرة ورضوان اللّه.
وهذا حجة على من يدعى محبة اللّه في كل زمان وأعماله تكذب ما يقول، إذ كيف يجتمع حب مع الجهل بالمحبوب، وعدم العناية بأوامره ونواهيه، فهو كما قال الورّاق :
تعصى الإله وأنت تظهر حبّه هذا لعمرى في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحبّ مطيع
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تحبب إليه بطاعته، وتقرب إليه باتباع نبيه، إذ في هذا تزكية للنفس بصالح العمل، فيغفر لها ما فرط من زلاتها، ويتجاوز عن سيئاتها.
روى أنه لما نزل قوله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ...) قال عبد اللّه بن أبيّ : إن محمدا يجعل طاعته كطاعة اللّه تعالى، ويأمرنا أن نحبه كما أحب النصارى عيسى فنزل قوله :