ج ٣، ص : ١٦٠
والطير الحقيقي ولكن اللّه تعالى أراد أن يفهم الإنسان بذلك قدرته تدريجا فالإنسان أوّلا يشك ويقول : ربما كان كل هذا من الأشياء العادية التي ليست فوق قدرة الإنسان وربما كانت شيئا غير عادى، ولكن اللّه يقول بعد ذلك : وأحيى الموتى لكى لا يدع مجالا للشك مطلقا.
إننا نجد هذه الطريقة نفسها في تاريخ سيدنا عيسى عليه السلام، لأنه خلق من نطفة الأم فقط، وفي العالم المادي لا يمكن أن يخلق الحيوان إلا من نطفتى الأب والأم، ولكن الطريقة التي ولد بها سيدنا عيسى كانت بحيث لا تكون صدمة لعقول المعاصرين فقد اتهم هؤلاء السيدة مريم مدة من الزمن، لأنهم بطبيعتهم فسروا ولادته أو اعتبروها كولادة الناس عامة، ولكنهم أخذوا يفهمون الحقيقة تدريجيا عند ما اقتنعوا بصحة المعجزات الأخرى التي أتى بها المسيح.
وقد وصلوا إلى هذا الفهم على الرغم من أن عيسى خلق من أم فقط، ولكن خلقه على هذه الصورة لا يقل عن خلق آدم من طين، لأن نظام الكائنات يجرى على سنة واحدة لا تتخلف أبدا إلا حيث يريد اللّه، ومتى أراد اللّه فلا معنى لطريقة خاصة، ولا حاجة إلى واسطة إلا بقدر الإقلال من تأثير الصدمة على الإنسان كما بينا...
ثم قال :
المعجزات كلها من صنع اللّه مباشرة، ومعناها سنة جديدة بخلاف كل ما نراه يوميا من عظة وعظمة كالولادة ونمو الحيوان والنبات، فإنه مع إعجازه يأتى مطابقا لقواعد ونظم وضعها اللّه لا تتغير.
وأظهر مثل للنواميس الطبيعية حركة الشمس، فإن ذلك مع عظمته لا يحدث صدمة لعقولنا لتعودنا إياه، ولكن إن أتى اللّه بالشمس من المغرب بدل المشرق كان هذا معجزة بالنسبة للإنسان، مع أن الحركتين من صنع اللّه ولا فرق بينهما.
ولا تحصل المعجزات إلا على أيدى الأنبياء، وذلك لأن صدمتها إن كانت


الصفحة التالية
Icon