ج ٣، ص : ١٨٧
وتلخيص المراد - لا تعترفوا أمام العرب أو غيرهم بأنكم تعتقدون أنه يجوز أن يبعث نبىّ من غير بنى إسرائيل، ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند اللّه تعالى بالحجة.
وهذا مبنى على أنهم كانوا ينكرون جواز بعثة نبى من العرب بألسنتهم مكابرة وعنادا للنبى صلى اللّه عليه وسلم لا اعتقادا، وأنهم كانوا لا يصرحون بهذا الاعتقاد إلا لمن آمنوا به من قومهم لما هم عليه من المكر والمخادعة.
وصفوة القول - ولا تظهروا إيمانكم بأن أحدا يؤتى مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، بل أسرّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب اللّه مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ذلك ثباتا، ودون المشركين لئلا يدعوهم ذلك إلى الإسلام.
(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي قل لهم : إن الرسالة فضل من اللّه ومنة، واللّه واسع العطاء وهو العليم بالمستحق، فيعطيه من هو له أهل.
وفي هذا إيماء إلى أن اليهود قد ضيّقوا هذا الفضل الواسع بزعمهم حصر النبوة فيهم وجهلوا الحكم والمصالح التي لأجلها يعطى النبوة من يشاء.
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي إن فضله الواسع ورحمته العامة يعطيهما بحسب مشيئته، لا كما يزعم أهل الكتاب من قصرها على الشعب المختار من بنى إسرائيل، فهو يبعث من يشاء نبيا ويبعثه رسولا، ومن اختصه بهذا فإنما يختصه بمزيد فضله وعظيم إحسانه، لا بعمل قدّمه ولا لنسب شرّفه، فاللّه لا يحابى أحدا لا فردا ولا شعبا، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.


الصفحة التالية
Icon