ج ٣، ص : ١٩٢
ولم يتوعد اللّه مرتكبى الكبائر من الزناة وشاربى الخمر، ولا عبى الميسر وعاقّى الوالدين بما توعد به ناكثى العهود وخائنى الأمانات، لأن مفاسدهما أعظم من جميع المفاسد التي لأجلها حرمت تلك الجرائم.
فالوفاء بها آية الدين البينة، والمحور الذي تدور عليه مصالح العمران، فمتى نكث الناس في عهودهم زالت ثقة بعضهم ببعض، والثقة روح المعاملات وأساس النظام.
والإيمان باللّه لا يجتمع مع الخيانة والنكث بالعهد، ألا ترى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم جعله علامة النفاق
فقال :« آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان ».
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس رضى اللّه عنه قال : ما خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا قال :« لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ».
فما بال كثير من المسلمين حتى المتدينين منهم استهانوا بالعهود، وأصبحوا لا يحفظون الإيمان ويرون ذلك شيئا صغيرا، مع كل ما رأوا من شديد التهديد والوعيد ويكبرون أمر المعاصي التي لم يتعودوها لعدم الإلف والعادة فقط، مع أنها دون ذلك عند اللّه كما تدل عليه هذه الآية.
أخرج ابن جرير عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيىّ بن أخطب حرّفوا التوراة وبدلوا نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحكم الأمانات وغيرها، وأخذوا على ذلك الرّشا.
روى البخاري وغيره أن الأشعث بن قيس قال :« كان بينى وبين رجل من اليهود أرض فجحدنيها، فقدته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : أ لك بينة ؟ قلت لا، فقال لليهودى احلف، فقلت : يا رسول اللّه إذن يحلف فيذهب مالى، فأنزل اللّه (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) الآية ».
قال الحافظ ابن حجر والآية محتملة لأن يكون هذا سبب النزول أو ذاك، والعمدة فى ذلك ما ثبت في الصحيح.


الصفحة التالية
Icon