ج ٣، ص : ٩٧
عزرا تلك الكتب بعد فقدها ؟ وعلى أي شىء اعتمد في إصلاح غلطها ؟ فإن قالوا إنه بالإلهام فإنا نقول إن هذا مما يحتاج فيه إلى جمع ما في أيدي الناس الذين لاثقة بنقلهم، على أن علماء أوربا قالوا إن أسفار التوراة كتبت بأساليب مختلفة لا يمكن أن تكون كتابة رجل واحد.
وأنزل اللّه الإنجيل على عيسى، وأنبأ سبحانه بأن النصارى نسوا حظا مما ذكروا به كاليهود بل هم أولى بذلك، فإن التوراة كتبت زمن نزولها، وكان ألوف الناس يقرءونها ويعملون بما فيها من شرائع وأحكام ثم فقدت، ولكن الكثير من أحكامها كان محفوظا معروفا عندهم، أما كتب النصارى فلم تعرف ولم تشتهر إلا في القرن الرابع للمسيح، لأن أتباعه كانوا مضطهدين بين اليهود والرومان، حتى اعتنق قسطنطين النصرانية فظهرت كتبهم، ومنها تواريخ المسيح المشتملة على بعض كلامه الذي هو إنجيله، وكانت كثيرة فتحكم فيها الرؤساء حتى اتفقوا على أنها أربعة.
وخلاصة ذلك - إن اللّه أنزل التوراة والإنجيل لهداية من أنزلا عليهم إلى الحق ومن جملة ذلك الإيمان بمحمد صلوات اللّه عليه واتباعه حين يبعث، فقد اشتملتا على البشارة به والحث على طاعته - ونسخ أحكامها بالكتاب الذي أنزل عليه.
(وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) أي وأنزل العقل الذي يفرق بين الحق والباطل، وجاء في آية أخرى « اللّه الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان » والميزان هو العدل.
فاللّه سبحانه قرن بالكتاب أمرين الفرقان الذي نفرق به الحق في العقائد ونميزه عن الباطل، والميزان وهو ما نعرف به الحقوق في الأحكام ونعدل بين الناس.
وقصارى ذلك - إن ما يقوم عليه البرهان العقلي من عقائد وغيرها فهو حق منزّل من عند اللّه وما قام به العدل فهو حكم منزّل من عند اللّه وإن لم ينص عليه في الكتاب فاللّه هو المنزل والمعطى للعقل والعدل - الفرقان والميزان - كما أنه سبحانه هو المنزّل للكتاب، ولا غنى لأحدهما عن الآخر.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي إن الذين كفروا بآيات اللّه