ج ٣٠، ص : ١٢
وقد جعله اللّه حدا تنتهى عنده الدنيا، وتجتمع فيه الخلائق، ليرى كل امرئ ما قدمت يداه، فيجازى المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته.
ثم بين هذا اليوم وزاد فى تفخيمه وتهويله فقال :
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) أي يوم ينفخ فى الصور فتحيون وتبعثون من قبوركم وتأتون إلى الموقف من غير تلبث، وإمام كل أمة رسولها كما قال سبحانه « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ».
(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) أي وانشقت السماء وتصدعت. وقد جاء نحو هذا فى آيات كثيرة كقوله :« إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ». وقوله :« إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ».
وقوله :« يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ».
ذاك أنه يحصل اضطراب فى نظام الكواكب، فيذهب التماسك بينها، ولا يكون فيما يسمى سماء إلا مسالك وأبواب، لا يلتقى فيها شىء بشىء، وذلك هو خراب العالم العلوي كما يخرب الكون السفلى.
(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي إن الجبال لا تكون فى ذلك اليوم على ثباتها المعروف. بل يذهب ما كان لها من قرار وتعود كأنها سراب يرى من بعد.
فإذا قربت منه لم تجد شيئا. لتفرق أجزائها وانبثاث جواهرها.
والخلاصة - إنه سبحانه ذكر أحوال الجبال بوجوه مختلفة. فذكر أول أحوالها وهو الاندكاك بقوله :« وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً » ثم ذكر أنها تصير كالعهن المنفوش كما قال :« وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ».
ثم ذكر أنها تصير هباء كما قال :« وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » ثم ذكر أنها تنسف وتحملها الرياح كما جاء فى قوله :« وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ »، ثم ذكر أنها تصير سرابا، أي لا شىء كما فى هذه الآية.