ج ٣٠، ص : ١٨٥
ثم نهاه عن أمرين : قهر اليتيم وزجر السائل، لما لهما من أكبر الأثر فى التعاطف والتعاون فى المجتمع، ولما فيهما من الشفقة بالضعفاء وذوى الحاجة، ثم أمره بشكره على نعمه المتظاهرة عليه باستعمال كل منها فى موضعها وأداء حقها.
الإيضاح
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ) أي ألم تكن يتيما لا أب لك يعنى بتربيتك، ويقوم بشئونك، ويهتم بتنشئتك فما زال يحميك ويتعهدك برعايته، ويجنبك أدناس الجاهلية وأوضارها حتى رقيت إلى ذروة الكمال الإنسانى.
وقد عاش النبي صلى اللّه عليه وسلم يتيما، إذ توفى أبوه وهو فى بطن أمه، فلما ولد عطف اللّه عليه قلب جده عبد المطلب، فما زال يكفله خير كفالة حتى توفى والنبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ فى سن الثامنة، فكفله عمه أبو طالب بوصية من عبد المطلب، فكان به حفيّا، شديد العناية بأمره، وما زال يتعهده حتى كبر وترعرع، حتى أرسله اللّه رسولا، فقام يؤازره وينصره، ويدفع عنه أذى قريش حتى مات، فاستطاعت قريش أن تنال منه، وتجرّأ عليه سفهاؤهم، وسلطوا عليه غلمانهم، حتى اضطروه إلى الهجرة.
ولو تدبر المنصف فى رعاية اللّه له، وحياطته بحفظه وحسن تنشئته، لوجد من ذلك العجب، فلقد كان اليتيم وحده مدعاة إلى المضيعة وفساد الخلق، لقلة من يحفل باليتيم ويحرص عليه، وكان فى خلق أهل مكة وعاداتهم ما فيه الكفاية فى إضلاله لو أنه سار سيرتهم، لكن عناية اللّه كانت ترعاه، وتمنعه السير على نهجهم، فكان الوفىّ الذي لا يمين، والأمين الذي لا يخون، والصّادق الذي لا يكذب، والطاهر الذي لم يدنّس برجس الجاهلية.
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ) أي ووجدك حائرا مضطربا فى أمرك، مع اعتقادك أن قومك ليسوا على بصيرة من أمرهم، فعبادتهم باطلة، ومعتقداتهم فاسدة، وكان