ج ٣٠، ص : ٢١٦
ثم بين جزاء الذين جحدوا رسالة رسوله صلى اللّه عليه وسلم فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) أي إن هؤلاء الذين دسّوا أنفسهم بقبيح الشرك واجتراح المعاصي، وإنكار الحق الواضح بعد أن عرفوه كما يعرفون أبناءهم، يجازيهم ربهم بالعقاب الذي لا يخلصون منه أبدا، فيدخلهم نارا تلظى جزاء ما كسبت أيديهم، وجزاء إعراضهم عما دعا إليه الداعي، وهدت إليه الفطرة.
ثم حكم عليهم بحكم آخر فقال :
(أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي هم شر الخليقة على الإطلاق، إذ منكر الحق بعد معرفته، وقيام الدليل عليه منكر لعقله، جالب لنفسه الدمار والوبال.
وبعد أن ذكر جزاء الجاحدين الكافرين، أردفه جزاء المؤمنين المخبتين فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي إن الذين سطع نور الدليل فى قلوبهم، فاهتدوا به وصدقوا بما جاء به النبي صلى اللّه عليه وسلم وعملوا صالح الأعمال، فبذلوا النفس فى سبيل اللّه وجهاد أعدائه، وبذلوا نفيس المال فى أعمال البر، وأحسنوا معاملة خلقه، أولئك هم خير الخليقة، لأنهم بمتابعة الهدى أدّوا حق العقل الذي شرفهم اللّه به، وبعملهم للصالحات حفظوا الفضيلة التي جعلها اللّه قوام الوجود الإنسانى.
ثم بين ما سيلقون من جزاء عند ربهم فقال :
(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي هؤلاء يجازيهم ربهم بجنات يقيمون فيها أبدا، وفيها من اللذائذ ما هو أكمل وأوفر من لذات الدنيا.
وعلينا أن نؤمن بالجنة ولا نبحث عن حقيقتها، ولا أين موضعها، ولا كيف نتمتع فيها، فإن علم ذلك عند ربنا لا يعلمه إلا هو، فهو من علم الغيب الذي استأثر بعلمه.