ج ٣٠، ص : ٢٣
عمله - حق لا ريب فيه فى يوم تعظم فيه الأهوال، وتضطرب القلوب، وتخشع الأبصار، ويعجب المبعوثون من عودتهم إلى حياتهم الأولى بعد أن كانوا عظاما نخرة تمر فيها الرياح، ويتحققون أن صفقتهم كانت خاسرة، إذا أنهم أنكروا فى الدنيا معادهم، ويجابون على تعجبهم بألا يحسبوا أن الإحياء صعب على اللّه، فما الأمر عنده إلا صيحة واحدة، فإذا الناس جميعا ظاهرون فى أرض المعاد.
لو تدبرنا أمر القسم ببعض المخلوقات فى الكتاب الكريم لوجدناه يرجع إلى أحد أمرين :
(١) أن تكون هذه المخلوقات قد عظمت فى أعين بعض الناس، وقوى سلطانها فى نفوسهم، حتى عبدوها واتخذوها آلهة من دون اللّه كالشمس والقمر فى نحو قوله :
«
وَالشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها » وقد ذكر سبحانه بجانب ذلك بعض صفاتها الدالة على أنها مخلوقة له كتغيرها من حال إلى حال، وما يطرأ عليها من الأفول والزوال، مما لا يكون من شأن الآلهة المستحقة للعبادة.
(٢) أن تكون مما احتقره الناس لغفلتهم عن فائدته، وذهولهم عن موضع العبرة فيه، ولو أنهم تدبروا فيما هو عليه من جليل الصنعة، وبديع الحكمة لاهتدو إلى معرفة خالقة، ونعتوه بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال.
فأقسم سبحانه على التوحيد فى قوله :« وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ ».
وأقسم على أن الرسول حق بقوله :« وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
وأقسم إن القرآن حق فى قوله :« فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ».