ج ٣٠، ص : ٢٥٨
لتكذيب قومه له على وضوح الحق وسطوع البرهان، كما قال تعالى مخاطبا رسوله :
«
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً »
وقال :
« فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » وقال :
« قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ. فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ».
وفى هذا القلق والضجر استبطاء لنصر اللّه للحق الذي بعث به نبيّه، بل فيه سهو عن وعد اللّه بتأييد دينه، كما جاء فى قوله :« وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ » ؟.
هذا الضجر ليس بنقص يعاب به النبي صلى اللّه عليه وسلم، لكن اللّه يعدّه على أقرب عباده إليه، كما قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد يراه النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا رجع إلى نفسه وخرج من غمرة شدته ذنبا يتوب إلى اللّه منه ويستغفره، ومن ثم ورد الأمر الإلهى بالاستغفار مما كان منه من حزن وضجر فى أوقات الشدة حين يجىء الفتح والنصر.
الإيضاح
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) أي إذا رأيت نصر اللّه لدين الحق، وانهزام أهل الشرك وخذلانهم، وفتح اللّه بينك وبين قومك، بجعل الغلبة لك عليهم، وإعزاز أمرك، وإعلاء كلمتك.
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً) أي ورأيت الناس يدخلون فى دينك، وينضوون تحت لوائك جماعات لا أفرادا كما كان فى بدء أمرك وقت الشدة.


الصفحة التالية
Icon