ج ٦، ص : ١٠٠
أو يحمل الظالم من آثام المظلوم وأوزاره ما يوازى ذلك إن كان له آثام وأوزار، وما نقص من هذا أو ذاك يستعاض عنه بما يوازيه من الجزاء فى الجنة أو النار.
(فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي فتكون بما حملت من الإثمين من أهل النار فى الآخرة جزاء ظلمك، والنار جزاء كل ظالم.
وقد سلك فى عظته وجوها تأخذ بمجامع اللب، ويرعوى لها فؤاد المنصف، فقد تبرأ من كونه سببا فى حرمانه من تقبل القربان، لأن سبب التقبل عند اللّه هو التقوى. ثم انتقل إلى تذكيره بما يجب من خوف اللّه، ثم إلى تذكيره بأن المعتدى يحمل إثم نفسه وإثم من اعتدى عليه، ثم إلى تذكيره بعذاب النار لأنها مثوى الظالمين.
ثم أبان سبحانه أن المواعظ لم تجد فيه فتيلا ولا قطميرا، فماذا تغنى الزواجر والعظات فى نفس الحاسد الظالم ؟ فقال :
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) أي إنه كان يهاب قتل أخيه وتجبن فطرته دونه، وما زالت نفسه الأمارة تشجعه عليه حتى تجرأ وقتله عقب التطويع بلا تفكر ولا تدبر فى العاقبة، والمشاهد بالاختبار من أعمال الناس أن من تحدثه نفسه بالقتل يجد من نفسه صارفا أو عدة صوارف تنهاه عن القتل حتى تطوع له نفسه القتل بترجيح الفعل على الترك، فحينئذ يقتل إن قدر.
(فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي من الذين خسروا أنفسهم فى الدنيا والآخرة، فهو فى الدنيا قد قتل أبر الناس به وهو الأخ التقى الصالح، وخسر لآخرة لأنه لم يصر أهلا لنعيمها الذي أعد للمتقين.
ثم بين أن الإنسان قد يستفيد من تجارب سواه فقال :
(فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) لما كان الإنسان فى أعماله موكولا إلى كسبه واختياره، وكان هذا القتل أول قتل وقع من بنى آدم - لم يعرف القاتل كيف يوارى حثه أخيه مقتول الذي يسوؤه أن يراها