ج ٦، ص : ١٠٥
(بضع من الإيل) وراع وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرّة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعى النبي واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فبعث الطلب فى آثارهم، فأمر بهم فسّمروا أعينهم (كحلوها بمسامير الحديد المحماة) وقطعوا أيديهم وتركوا فى ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم »
زاد البخاري أن قتادة الذي روى الحديث عن أنس قال :« بلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك كان يحثّ على الصدقة وينهى عن المثلة »
وروى أبو داود والنسائي عن أبى الزناد « أن رسول اللّه لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار، عاتبه اللّه فى ذلك فأنزل :(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) الآية.
الإيضاح
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أي إن جزاء الذين يفعلون ما ذكر - عقابهم ما سيذكر بعد على سبيل الترتيب والتوزيع على جناياتهم ومفاسدهم لكل منها ما يليق بها من العقوبة.
وقد جعل هذا النوع من العدوان محاربة للّه ورسوله، لأنه اعتداء على الحق والعدل الذي أنزل اللّه على رسوله، ولما فيه من عدم الإذعان لدينه وشرعه فى حفظ الحقوق كما قال تعالى فى المصرّين على أكل الربا « فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ».
فمن لم يذعنوا لأحكام الشريعة يعدوا محاربين للّه والرسول، ويجب على الإمام الذي يقيم العدل ويحفظ النظام أن يقاتلهم على ذلك كما فعل أبو بكر بمانعى الزكاة، حتى يفيئوا ويرجعوا إلى أمر اللّه، ومن رجع منهم فى أي وقت يقبل منه ويكفّ عنه، وقوله : ويسعون فى الأرض فسادا أي يسعون فيها سعى فساد أي مفسدين لما صلح من أمور الناس فى نظم الاجتماع وأسباب المعاش.