ج ٦، ص : ٤٣
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) روى عن ابن عباس : أن المراد بالعقود عهود اللّه التي عهد بها إلى عباده : أي ما أحلّ وما حرم، وما فرض وما حدّ فى القرآن كله، لا غدر فيها ولا نكث، وقال الراغب : العقود ثلاثة أضرب : عقد بين اللّه وبين العبد، وعقد بين العبد ونفسه، وعقد بينه وبين غيره من البشر.
وكل واحد منها إما أن يوجبه العقل الذي أودعه اللّه فى الإنسان ويتوصل إليه بديهة العقل أو بأدنى نظر ويدل على ذلك قوله تعالى :« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قالُوا بَلى » وإما أن يوجبه الشرع وهو ما دلنا عليه كتاب اللّه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم.
وأساس العقود فى الإسلام هو هذه الجملة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أي إنه يجب على كل مؤمن أن يفى بما عقده وارتبط به من قول أو فعل كما أمر اللّه ما لم يحرّم حلالا أو يحلل حراما كالعقد على أكل شىء من أموال الناس بالباطل كالربا والميسر (القمار) والرّشوة ونحو ذلك.
ثم شرع يفصل الأحكام التي أمر بالإيفاء بها وبدأ بما يتعلق بضروريات معايشهم فقال :
(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي أحل اللّه لكم أكل البهيمة من الأنعام وهى الأزواج الثمانية المذكورة فى سورة الأنعام، وألحق بها الظباء وبقر الوحش ونحوهما، إلا ما حرم فيما سيتلى عليكم فى الآية السالفة من هذه السورة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلخ.
(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي أحلت لكم بهيمة الأنعام حال كونكم غير محلى الصيد الذي حرمه اللّه عليكم : أي لا تجعلوه حلالا باصطياده أو الأكل منه وأنتم محرمون بالحج أو العمرة أو كليهما أو داخلون فى أرض الحرم، فلا يحل الصيد لمن كان


الصفحة التالية
Icon