ج ٦، ص : ٤٥
(يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) أي يطلبون ربحا فى التجارة ورضا من اللّه يحول بينهم وبين عقوبته فى الدنيا، لئلا يحل بهم ما حل بغيرهم فى عاجل دنياهم.
وهذا كلام مع المشركين، كما روى عن قتادة أنه قال : هم المشركون يلتمسون فضل اللّه ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم، وفى رواية أخرى عنه : والرضوان الذي يبتغون أن يصلح لهم معايشهم فى الدنيا وألا يعجّل لهم العقوبة.
ثم صرح بما فهم من قوله : غير محلى الصيد وأنتم حرم فقال :
(وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) أي وإذا خرجتم من إحرامكم بالحج أو العمرة أو من أرض الحرم فاصطادوا إن شئتم، فإنما حرم عليكم الصيد فى أرض الحرم وفى حال الإحرام فقط.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أي ولا يحملنّكم بغض قوم وعداوتهم على أن تعتدوا عليهم، لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام، وقد كان المشركون صدّوا المؤمنين عن العمرة عام الحديبية، فنهى المؤمنون أن يعتدوا عليهم عام حجة الوداع وهو العام الذي نزلت فيه هذه السورة لأجل اعتدائهم السابق.
ولما كان اعتداء قوم على قوم لا يحصل إلا بالتعاون قفّى على النهى عن الاعتداء بقوله :
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) البر : التوسع فى فعل الخير، والتقوى : اتقاء ما يضر صاحبه فى دينه أو دنياه، والإثم كل ذنب ومعصية، والعدوان : تجاوز حدود الشرع والعرف فى المعاملة والخروج عن العدل فيها،
وفى الحديث « البر حسن الخلق، والإثم ما حاك فى النفس وكرهت أن يطّلع عليه الناس » رواه مسلم وأصحاب السنن
وروى أحمد والدارمي عن وابصة بن معبد الجهني أنه قال :« أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر والإثم ؟ قلت نعم » وكان قد جاء لأجل ذلك، فأخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم بما فى نفسه وأجابه فقال :