ج ٦، ص : ٥٢
أي وحرّم عليكم أن تطلبوا علم ما قسم لكم بالأزلام كما كانت تفعل العرب فى الجاهلية.
وحكمة هذا التحريم أنه من الخرافات والأوهام التي لا يركن إليها إلا من كان ضعيف العقل، يفعل ما يفعل من غير بينة ولا بصيرة، ويترك ما يترك كذلك، ويجعل نفسه ألعوبة للكهنة والسّدنة، ويتفاءل ويتشاءم بما لا فأل فيه ولا شؤم، ومن ثمّ أبطل ذلك دين العقل والبصيرة كما أبطل التطيّر والكهانة والعيافة والعرافة وسائر خرافات الجاهلية، إلى أن فيها افتراء على اللّه إن أرادوا بقولهم « أمرنى ربى » اللّه عز وجل، وجهلا وشركا إن أرادوا به الصنم، إلى أن فيه طلبا لعلم الغيب الذي استأثر اللّه به.
وقد استنّ بعض جهال المسلمين بسنة مشركى الجاهلية، أو بما يشبهها فتراهم يستقسمون بالسّبح وغيرها ويسمون ذلك استخارة أو فألا فيقتطعون طائفة من حب السّبحة ويحركونها حبة بعد أخرى، يقولون :« افعل » على واحدة « لا تفعل » على الثانية، ويكون الحكم الفصل للحبة الأخيرة، وما هذا بالاستخارة التي ورد الإذن بها، بل قد ورد ما يؤيد تحريمها.
ومنهم من يستقسم أو يأخذ الفأل من القرآن الكريم فيصبغون عملهم بصبغة الدين ويلبسون الباطل ثوب الحق، ولم يرد فى هذا نص يجوّز العمل به، ولكن الإلف والعادة جعلا هذا البدع مستحسنة وتأولوا لها اسم الفأل الحسن
ورووا فى ذلك حديث أبى هريرة عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم « كان يعجبه الفأل الحسن »
وليس هذا من الفأل الحسن، بل الفأل ضد الطيرة التي أبطلتها الأحاديث.
والعجيب من أمر بعض المسلمين أنهم تركوا الاهتداء بالقرآن وحرموه على أنفسهم واكتفوا من الإيمان به والتعظيم له بالاستقسام به كما كانت الجاهلية تستقسم بالأزلام، أو الاستشفاء بمداد تكتب به آياته فى كاغد أو جام (فنجان) وكل هذا من الضلالات والخرافات التي لم يرد شىء منها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا عن السلف الصالح.