ج ٦، ص : ٧٧
شديد العداوة للنبى صلى اللّه عليه وسلم، وهو الذي زين لهم قتله والغدر به فركن إلى قول ابن أبىّ، وبعث إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم إنا لن نخرج من المدينة فافعل ما بدا لك.
فعلم النبي صلى اللّه عليه وسلم أنهم يريدون الحرب فخرج هو والمسلمون للقائهم يحمل لواءه على بن أبى طالب كرم اللّه وجهه، فلما وصلوا إليهم أقاموا على حصونهم يرمونهم بالنبل والحجارة، ولما اشتد عليهم الحصار ورأوا ألا سبيل لهم إلى المقاومة رضوا بالخروج سالمين وعلموا أن وعد ابن أبىّ كان هو الغدر والخيانة بعينها، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قادرا حينئذ على استئصالهم والقضاء عليهم ولكنه اختار العفو والإحسان واكتفى بإبعادهم عن المدينة على أن يخرجوا منها، وليس معهم إلا أولادهم وما حملت الإبل إلا السلاح، ورحلوا إلى خيبر.
وهذه الآية نزلت بعد هذا كله لأنها من آخر ما نزل، ولم يعاقب اليهود بعدها على خيانة ولا غدر، ولكنه أوصى بإجلائهم عن جزيرة العرب.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي وكذلك أخذنا من النصارى الثبات على طاعتنا وأداء فرائضنا واتباع رسلنا والتصديق بهم، فسلكوا فى ميثاقنا الذي أخذناه عليهم طريق اليهود الضالين، فبدلوا دينهم ونقضوا الميثاق الذي أخذناه عليهم بالوفاء بعهدنا.
(فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لأن نسيان حظ عظيم من كتابهم كان سببا فى تفرقهم فى الدين واتباع أهوائهم، وتبع هذا أن وقعت بينهم العداوة والبغضاء بمقتضى سننه تعالى فى هذه الحياة، ومن أجل هذا نسبه سبحانه إلى نفسه مع أنه من أعمالهم الاختيارية، لأنه كان نتيجة حتمية لتلك السنن التي وضعت فى الخليقة (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) أي وسينبئهم اللّه عند الحساب فى الآخرة بما كانوا صنعوا فى الدنيا من نقض للميثاق، ونكث للعهد، وتبديل للكتاب،


الصفحة التالية
Icon