ج ٦، ص : ٨٦
والخلاصة - إن هذه الآيات تبين لنا سنة اللّه فى البشر، وأن الجزاء إنما يكون على الأعمال لا على الأسماء والألقاب.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أي قد جاءكم رسولنا الذي بشّرتم به فى كتبكم وأخبركم به أنبياؤكم، فقد جاء على لسان موسى (أنه سيقيم نبيا من بنى إسماعيل إخوتكم) وعلى لسان عيسى (أنه سيجيئ البارقليط روح الحق الذي يعلمكم كل شى ء) وفى الإنجيل الرابع إن اليهود أرسلوا كهنة ولاويين (أحبارا) فسألوا يوحنا عليه السلام : أ أنت المسيح ؟ قال : لا. أ أنت إيليا ؟ قال : لا.
أأنت النبىّ ؟ قال : لا.
هذا الرسول هو محمد بن عبد اللّه النبي الأمى يبين لكم على فترة من الرسل أي على انقطاع منهم وطول عهد بالوحى - جميع ما أنتم فى حاجة إليه من أمور دينكم ودنياكم من عقائد أفسدتها عليكم نزغات الوثنية، وأخلاق وآداب صحيحة أفسدها عليكم إفراطكم فى الأمور المادية والروحية، وعبادات وأحكام تصلح أمور الأفراد والمجتمع.
ويدخل فى ذلك ما بينه لكم مما كنتم تخفون من الكتاب لإقامة الحجة عليكم، ولولا أنه رسول من عند اللّه لما تسنى له أن يعرف شيئا مما جاء به.
وقد أرسل - صلوات اللّه عليه - وقد فشا التغيير والتحريف فى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها، فاختلط فيها الحق بالباطل والصدق بالكذب، وصار ذلك عذرا ظاهرا فى إعراض الخلق عن العبادات، إذ لهم أن يقولوا : يا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك، ولكن كيف نعبدك ؟ فبعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم فى ذلك الحين لإزالة هذا العذر الذي بينه سبحانه بقوله :
(أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) أي إننا إنما بعثناه إليكم كراهة أن تقولوا ما جاءنا من بشير يبشرنا بحسن العاقبة للمؤمنين، وينذرنا بسوء عاقبة المفسدين الضالين