ج ٦، ص : ٩
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فى سابق الآيات حال الذين يكفرون باللّه ورسله ويفرقون بين اللّه ورسله فيقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض وهم أهل الكتاب، بين فى هذه الآيات بعض حوادث لليهود تدل على شديد تعنتهم وجهلهم بحقيقة الدين.
الإيضاح
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) فقد قالوا إن موسى عليه السلام جاء بالألواح من عند اللّه فائتنا بألواح من عنده تكون بخط سماوى يشهد أنك رسول اللّه إلينا.
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : إن اليهود قالوا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه يكون فيه (من اللّه تعالى إلى فلان إنك رسول اللّه وإلى فلان إنك رسول اللّه، وهكذا ذكروا أسماء معينة من أحبارهم، وما مقصدهم من ذلك إلا التعنت والتحكم لا طلب الحجة لأجل الاقتناع) وقال الحسن لو سألوه ذلك استرشادا لأعطاهم ما سألوا (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) أي عيانا ننظر إليه ونشاهده : أي لا تعجب أيها الرسول من سؤالهم وتستنكره فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، وكل من السؤالين يدل على جهل أو عناد.
ذاك أن سؤال الرؤية جهرة دليل على الجهل باللّه، إذ هم ظنوا أن اللّه جسم محدود تدركه الأبصار، وأما سؤال إنزال الكتاب فهو دليل إما على العناد لأنهم اقترحوا ما اقترحوا تعجيزا ومراوغة، وإما على الجهل بمعنى النبوة والرسالة مع ما ظهر فيهم من أنبياء، إذ هم لا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد اللّه بها رسله وبين الشعوذة وحيل السحرة المخالفة للعادة، وكتبهم قد بينت لهم أنه يقوم فيهم أنبياء كذبة وأن النبي