ج ٦، ص : ٩٥
وقد أفسد ظلم الفراعنة فطرة بنى إسرائيل فى مصر وطبع عليهم بطابع الذلة والمهانة، وقد أراهم اللّه تعالى ما لم ير أحدا من الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته، وصدق رسوله موسى عليه السلام، وبين لهم أنه أخرجهم من مصر لينقذهم من العبودية إلى نعيم الحرية، ومع هذا كله كانوا إذا أصابهم نصب أو جوع أو كلّفوا أمرا يشق عليهم يتطيرون بموسى، ويذكرون مصر ويحنّون إلى العودة إليها، وحين غاب عنهم لمناجاة ربه اتخذوا لهم عجلا من حليّهم وعبدوه، وكان اللّه يعلم أن نفوسهم ميتة لا تطيعهم على دخول أرض الجبارين، وأن وعده تعالى لأجدادهم إنما يتم إذا هلك ذلك الجيل الذي نشأ فى الوثنية، ونشأ بعده جيل جديد يعيش فى حرية البداوة وعدل الشريعة.
وعلى هذه السّنّة العادلة أمر اللّه بنى إسرائيل بدخول الأرض المقدسة بعد أن أراهم عجائب تأييده لرسوله، لكنهم أبوا واستكبروا فأخذهم بذنوبهم وأنشأ من بعدهم قوما آخرين جعلهم الأئمة الوارثين بهممهم الموافقة لسنته فى الاجتماع.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٢٧ الى ٣٢]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١)
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)