ج ٦، ص : ٩٧
فلا تعجب من حالهم بعد هذا، فإن لهم أشباها ونظائر فى البشر كابنى آدم، وقد حدث بينهم من أجل التحاسد سفك الدماء وقتل الأخ أخاه وبذر تلك البذور السيئة فى بنى آدم إلى قيام الساعة.
الإيضاح
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) جمهرة العلماء على أن هذين الابنين هما ابنا آدم من صلبه، وفى سفر التكوين أنهما أول أولاد آدم، اسم أحدهما قاين أو قايين وهو البكر، وسماه المفسرون والمؤرخون من المسلمين قابيل وهو القاتل، واسم الثاني هابيل وهو المقتول، وقد ذكروا روايات غريبة عنهما لا تعرف إلا من الوحى، وفى وصف اللّه تعالى ما قاله « بالحق » دليل على أن ما يلوكه الناس سوى ذلك فباطل.
أي واتل أيها الرسول على أهل الكتاب وغيرهم من الناس ذلك النبأ العظيم نبأ ابني آدم تلاوة كاشفة للحق، مظهرة له مبينة لغرائز البشر وطبائعهم، وهى أنهم جبلوا على التباين والاختلاف الذي يفضى إلى التحاسد والبغي والقتل، ليعلموا الحكمة فيما شرعه اللّه فى عقاب البغاة من الأفراد والجماعات، ويفقهوا أن بغى اليهود على الرسول والمؤمنين ليس من دينهم فى شىء، وإنما ذاك للحسد والبغضاء، فما مثلهم إلا مثل ابني آدم، إذ حسد شرّهما خيرهما، فبغى عليه فقتله، وكان مآله ما بينه اللّه فى الآيات بعد :
(إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) أي اتل عليهم نبأهما وقت تقديم كل منهما القربان وما تبعه من البغي والعدوان، فتقبل اللّه من أحدهما قربانه لتقواه وإخلاصه وطيب نفسه به، ولم يتقبل من الآخر لعدم التقوى والإخلاص، ولم يبين لنا سبحانه كيف علما أنه تقبّل من أحدهما دون الآخر، وربما كان ذلك بوحي من اللّه لأبيهما آدم عليه السلام.
روى عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما أن أحدهما كان صاحب حرث وزرع


الصفحة التالية
Icon