ج ٧، ص : ١١٣
فما بالنا نرى كثيرا ممن يدّعون الإيمان فى هذا الزمان غير منصورين، فلا بد إذا من أن يكونوا فى إيمانهم غير صادقين، ولأهوائهم متبعين، ولسنته فى أسباب النصر جاهلين، فاللّه لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، بل ينصر المؤمن الصادق الذي يتحرّى الحق والعدل فى حربه لا الظالم الباغي من خلقه، والذي يقصد إعلاء كلمة اللّه ونصر دينه كما جاء فى قوله :« وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ » وقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ».
(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) من الآيات التي اقترحوها عليك ليؤمنوا فأتهم بها.
ذاك أنهم كانوا يقترحون الآيات على النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان يتمنى لو آتاه اللّه بعض ما طلبوا حرصا على هدايتهم، وأسفا وحزنا على إصرارهم على غوايتهم، لكن اللّه يعلم أن أولئك المقترحين الجاحدين لا يؤمنون وإن رأوا من الآيات ما يطلبون وفوق ما يطلبون.
والخلاصة - وإن كان إتيانك بآية مما اقترحوا يدحض حجتهم ويكشف شبهتهم فيؤمنون عن بينة وبرهان، فإن استطعت أن تبتغى لنفسك نفقا تطلبه فى الأرض فتذهب فى أعماقها، أو سلما فى جو السماء ترقى فيه إلى ما فوقها، فتأتيهم بآية مما اقترحوا عليك فأت بما يدخل طوع قدرتك من ذلك، كتفجير ينبوع لهم من الأرض أو تنزيل كتاب تحمله من السماء وقد كانوا طلبوا ذلك كما حكى اللّه عنهم بقوله :« وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً - إلى قوله - أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ » وقد أمره اللّه أن يجيبهم عن ذلك بقوله عقب هذا :« قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا ؟ » أي وليس ذلك فى قدرة البشر وإن كان رسولا فالرسل لا يقدرون على شىء مما يعجز عنه البشر ولا يستطيع إيجاده غير الخالق.
وخلاصة ذلك - إنك لن تستطيع الإتيان بشىء من تلك الآيات ولا ابتغاء