ج ٧، ص : ١٩٣
ذلك أن من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر إذا لم يكن له بد من الإيمان بأن القرآن من عند اللّه، ومن الاهتداء به، فأكمل الناس إيمانا بالدار الآخرة وما فيها من الجزاء وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم لا يمكن أن يعرّض نفسه لمنتهى الظلم الذي يستحق عليه أشد العذاب.
الإيضاح
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم ممن كذب على اللّه كالذين قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شىء، أو جعل للّه شريكا أو ولدا.
(أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ) كمسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة باليمامة، والأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن، وطليحة الأسدى الذي ادعى النبوة فى بنى أسد، ونحوهم من كل من ادعى ذلك أو يدعيه فى أي زمان كان.
(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) أي ومن ادّعى أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل اللّه على رسوله كمن قال من المشركين :« لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا » فقد أثر عن النضر بن الحارث أنه كان يقول : إن القرآن أساطير الأولين، وإنه شعر لو نشاء لقلنا مثله.
ثم ذكر تعالى جدّه وعيده للظالمين لشدة جرمهم وعظيم ذنبهم فقال :
(وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) الخطاب للرسول صلى اللّه عليه وسلم ثم لكل من سمعه أو قرأه، أي ولو تبصر إذ يكون الظالمون - سواء منهم من ذكروا فى الآية أو غيرهم - فى غمرات الموت وهى سكراته وما يتقدمها من شدائد وآلام تحيط بهم كما تحيط غمرات الماء بالغرقى - لرأيت ما لا سبيل إلى وصفه، ولا قدرة للبيان على تجلّى كنهه وحقيقته.
(وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب كما قال :
« فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ».