ج ٧، ص : ٨٧
ويرقى إلى سماء العزة والكرامة،
روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :« إن اللّه لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش : إن رحمتى سبقت غضبى »
والمراد بالسبق هنا كثرة الرحمة وشمولها كما يقال غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثرا منه.
والخلاصة - إنه لما قال كتب على نفسه الرحمة، فكأنه قيل وما تلك الرحمة ؟
فقيل ليجمعنكم إلى يوم القيامة، ذلك أنه لو لا خوف العذاب يوم القيامة لحصل الفساد فى الأرض واختلّت نظم الاجتماع وأكل القوى الضعيف ولا وازع ولا زاجر، فصار التهديد بهذا اليوم من أسباب الرحمة.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) خسارة الأنفس إفساد فطرتها وعدم اهتدائها بما منحها اللّه من أنواع الهدايات، فالمقلدون خسروا أنفسهم لأنهم حرموها استعمال نعمتى العقل والعلم.
أي أخصّ هؤلاء الذين خسروا أنفسهم بالتذكير والذم والتوبيخ بين من يجمعون إلى يوم القيامة، إذ هم لخسرانهم أنفسهم فى الدنيا لا يؤمنون بالآخرة، فهم قلما ينظرون ويستدلون، وإن هم فعلوا قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لوم اللائمين واحتقار الأهل والمعاشرين.
والخلاصة - إن الفوز والفلاح فى الدين والدنيا لا يتم إلا بالعلم الصحيح والعزيمة الحافزة إلى العمل بالعلم، فمن خسر إحدى الفضيلتين فقد خسر نفسه، فردا كان أو أمة، فما بال من خسرهما معا.
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي للّه ما فى السموات وما فى الأرض، وله ما سكن فى الليل والنهار، وخص هذا بالذكر وإن كان داخلا فى عموم ما فى السموات والأرض، تنبيها إلى تصرفه تعالى بهذه الخفايا ولا سما إذا جنّ الليل وهدأ الخلق.