ج ٨، ص : ١٢٩
المعنى الجملي
بعد أن بين عزّ اسمه أنه جعل الشياطين قرناء للكافرين مسلّطين عليهم متمكنين من إغوائهم - ذكر هنا أثر ذلك التسليط عليهم، وهو الطاعة لهم فى أقبح الأشياء مع عدم شعورهم بذلك القبح.
الإيضاح
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها) أي وإذا فعل الذين لا يؤمنون باللّه ممن جعلوا الشياطين أولياء لهم - قبيحا من الأفعال كتعرّيهم حين الطواف بالبيت، فلامهم الناس على ذلك، قالوا وجدنا آباءنا يفعلون كما نفعل، فنحن نقتدى بهم ونستنّ بسنتهم، واللّه أمرنا بذلك فنحن نتبع أمره فيه. وقد رد اللّه عن الأمر الثاني بأمر رسوله أن يدحضه بقوله :
(قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي إن هذا الفعل من الفحشاء واللّه بكماله منزه أن يأمر بها وإنما يأمر بها الشيطان كما جاء فى قوله :« الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ».
ثم ردّ عليهم الوجه الأول ووبخهم على تقليد الآباء والأجداد بقوله :
(أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ؟ ) أي إنكم باتباعكم للآباء والأجداد فى الآراء والشرائع غير المسندة إلى الوحى تقولون على اللّه ما لا تعلمون أنه شرعه لعباده.
والخلاصة - إنهم فى عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين : أمر اللّه بهما، وتقليد الآباء والأجداد، وقد رد اللّه عليهما فى كل منهما فرد على الأول ببيان أن اللّه لا يأمر بفاحشة، وأن الذي يأمر بذلك إنما هو الشيطان. ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات وهو لم ينزل عليهم به، فقولهم