ج ٩، ص : ١٦٦
هم المؤمنون حق الإيمان، وهو نتيجة لتصديق إذعانى له أثر فى أعمال القلوب والجوارح وبذل المال فى سبيل اللّه.
روى الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي اللّه عنه أنه مرّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له :« كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال أصبحت مؤمنا حقا :
قال : انظر ماذا تقول فإن لكل شىء حقيقة، فما حقيقة إيمانك ؟ فقال عزفت نفسى عن الدنيا، فأسهرت ليلى، وأظمأت نهارى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأنى أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال : يا حارثة عرفت فالزم (ثلاثا) »
وروى عن الحسن أن رجلا سأله أ مؤمن أنت ؟
قال الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألنى عن الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألنى عن قوله تعالى :« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ » إلخ فو اللّه لا أدرى أنا منهم أم لا.
وبعد أن ذكر سبحانه أوصافهم ذكر جزاءهم عند ربهم فقال :
(لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي لهم درجات من الكرامة والزلفى لا يقدر قدرها عند ربهم الذي خلقهم وسوّاهم وهو القادر على جزائهم على جميل أعمالهم فى دار الجزاء والثواب، واللّه تعالى فضل بعض الناس ورفعهم على بعض درجة أو درجات فى الدنيا وفى الآخرة وعند اللّه تعالى كما قال تعالى :« الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ » وقال تعالى فى الرسل :« تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ » الآية. وقال فى درجات الدنيا وحدها :
« وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ».
ولهم مغفرة من اللّه لذنوبهم التي سبقت وصولهم إلى درجة الكمال، ولهم رزق