ج ٩، ص : ١٧٠
قتالها، إذ تبين أنها هى الطائفة التي وعدهم اللّه تعالى بالنصر عليها - صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها، وضعفهم وقوتها، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها، وطفقوا يعتذرون إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنهم لم يخرجوا إلا للعير، لأنه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له.
ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدل فيه وجه - فلا ينبغى أن يقال إن طائفة العير هى مراد اللّه لأنها نجت، ولا بأن يقال إننا لم نعدّ للقتال عدّته، لأنه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد اللّه به، فإذا لا وجه للجدل إلا الجبن والخوف من القتال.
(كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي كأنهم لشدة ما هم فيه من جزع ورهب يساقون إلى موت محقق لا مهرب منه، لوجود أماراته وأسبابه حتى كأنهم ينظرون إليه بأعينهم، إذ ما بين حالهم وحال عدوهم من التفاوت فى القوة والعدد والخيل والزاد قاض بذلك، ولكن اللّه تعالى وعد رسوله والمؤمنين بالظفر والنصر عليهم (ووعده لا يتخلف) أما هذه الأسباب العادية فكثيرا ما تتخلف، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه الذي بيده كل شىء وهو القادر على كل شىء، وهكذا أنجز اللّه وعده لرسوله والمؤمنين وكان لهم الظفر والفوز على عدوهم وكان هذا نصرا مؤزّرا للمسلمين على المشركين، وبه علا ذكرهم فى البلاد العربية وهابهم قاصيها ودانيها.
(وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) أي واذكروا حين وعد اللّه إياكم أن إحدى الطائفتين لكم تتسلطون عليها وتتصرفون فيها.
(وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي وتتمنّون أن الطائفة غير ذات الشوكة :(وهى العير) تكون لكم، لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، وعبر عنها بذلك تعريضا لكراهتهم للقتال وطمعهم فى المال.
(وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي ويريد اللّه بوعده غير ما أردتم، يريد أن يثبت الحق الذي أراده بكلماته، أي بآياته المنزلة على رسوله فى محاربة ذات الشوكة،


الصفحة التالية
Icon