ج ٩، ص : ١٧٣
وقال يا نبى اللّه، كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل اللّه تعالى :
« إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ » فلما كان يومئذ والتقوا هزم اللّه المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر سبعون.
روى البخاري عن ابن عباس قال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر « اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد » فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك، فخرج وهو يقول :« سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ».
وقد كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم يعلم بإعلام القرآن أن للنصر فى القتال أسباب حسية ومعنوية، وأن للّه سننا مطردة، وهو مع ذلك يعلم أن للّه توفيقا يمنحه من شاء من خلقه فينصر به الضعفاء على الأقوياء والفئة القليلة على الفئة الكثيرة بما لا ينقض به سننه، وأن له فوق ذلك آيات يؤيد بها رسله، فلما عرف من ضعف المؤمنين وقلتهم ما عرف استغاث اللّه تعالى ودعاه ليؤيدهم بالقوة المعنوية التي تكون أجدر بالنصر من القوة المادية، وكان كل من علم بدعائه يتأسى به فى هذا الدعاء ويستغيث ربه كما استغاث.
الإيضاح
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) أي اذكروا وقت استغاثتكم ربكم قائلين ربنا انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، والأمر بهذا الذكر لبيان نعمة اللّه عليهم حين التجائهم إليه، إذ ضاقت عليهم الحيل وطلبوا مخلصا من تلك الشدة فاستجاب دعاءهم كما قال :
(فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي فأجاب دعاءكم بأنى ممدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم بعضا ويتبعه، وهذا الألف هى وجوههم وأعيانهم - وبهذا يطابق ما جاء فى سورة آل عمران :« بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ - بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ».