ج ٩، ص : ١٨٢
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ »
فالإنسان يحرث الأرض ويلقى فيها البذر ولكنه لا يملك إنزال المطر ولا إنبات الحب وتغذيته بمختلف عناصر التربة ولا دفع الجوائح عنه.
وأن الثاني من فعله تعالى وحده بدون كسب عادى للنبى صلى اللّه عليه وسلم فى تأثيره، فالرمى منه كان صوريا لتظهر الآية على يده صلى اللّه عليه وسلم، فما مثله فى ذلك إلا مثل أخيه موسى صلى اللّه عليه وسلم فى إلقائه العصا « فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ».
(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي فعل اللّه ما ذكر لإقامته حجته وتأييد رسوله، وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر والغنيمة وحسن السمعة.
(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى سميع لما كان من استغاثة الرسول والمؤمنين ربهم ودعائهم إياه وحده ولكل نداء وكلام، عليم بنياتهم الباعثة عليه والعواقب التي تترتب عليه.
(ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) أي ذلكم البلاء الحسن هو الذي سمعتم - إلى أنه تعالى مضعف كيد الكافرين ومكرهم بالنبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين ومحاولتهم القضاء على دعوة التوحيد والإصلاح قبل أن يقوى أمرها وتشتد.
وبعد أن ذكر خذلانهم وإضعاف كيدهم - انتقل منه إلى توبيخهم على استنصارهم إياه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم أيّنا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف فأحنه الغداة فكان ذلك منه استفتاحا. وقال السدى : كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا اللّه وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين، فأجابهم اللّه بقوله :
(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) أي إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما فقد جاءكم الفتح ونصر أعلاهما وأهداهما.
وهذا من قبيل التهكم بهم لأنه قد جاءهم الهلاك والذلة.


الصفحة التالية
Icon