لأبي عبد الرحمن فيه من هذا الباب شيء كثير، وأما النوع الأول فيوجد كثيرا في كلام القرامطة والفلاسفة المخالفين للمسلمين في أصول دينهم.
وأما "النوع الثاني": فهو الذي يشتبه كثيرا على بعض الناس، فإن المعنى يكون صحيحا لدلالة الكتاب والسنة عليه، ولكن الشأن في كون اللفظ الذي يذكرونه دل عليه، وهذان قسمان:
"أحدهما": أن يقال: إن ذلك المعنى مراد باللفظ، فهذا افتراء على الله، فمن قال: المراد بقوله: ﴿تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ هي النفس وبقوله: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ هو القلب ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ أبو بكر ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ عمر ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ عثمان ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ علي، فقد كذب على الله، إما متعمدا وإما مخطئا.
"القسم الثاني" أن يجعل ذلك من باب الاعتبار والقياس لا من باب دلالة اللفظ، فهذا من نوع القياس فالذي تسميه الفقهاء قياسا هو الذي تسميه الصوفية إشارة، وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل كانقسام القياس إلى ذلك"١.
ثم قال: "وقد تبين من ذلك أن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، فهو مفترٍ على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام، وأما ما يروى عن بعضهم من الكلام المجمل مثل قول بعضهم: لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب... إلخ٢ فهذا إذا صح عمن نقل عنه كعلي وغيره لم يكن فيه دلالة على الباطن المخالف للظاهر، بل يكون هذا من الباطن الصحيح الموافق للظاهر الصحيح.
وقد تقدم أن الباطن إذا أريد به ما لا يخالف الظاهر المعلوم، فقد يكون حقا وقد يكون باطلا، ولكن ينبغي أن يعرف أنه قد كذب على علي وأهل بيته، لا سيما على جعفر الصادق ما لم يكذب على غيره من الصحابة"٣.

١ مجموع فتاوى ابن تيمية: ج١٣ ص٢٤٠-٢٤٢.
٢ بقية الأثر كما ورد في السؤال الموجه إلى ابن تيمية "كذا وكذا حمل جمل".
٣ مجموع فتاوى ابن تيمية: ج١٣ ص٢٤٣-٢٤٤.


الصفحة التالية
Icon