والسلام فوضحه لهم وبينه وجلا غموضه فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا، وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل: ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا، فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.
وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب... وكيف لا يكونون كذلك وهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل إدراكا منهم أنهم إنما يتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة؛ لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه١.
ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة ومع هذا فقد كانوا، رضي الله عنهم، لا يجدون في بسيط الأرض على سعتها ومديد السماء على عرضها ملجأ إن هم قالوا في القرآن بغير علم، أو بما لا يعلمون.
على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون... وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيف يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض، ولو علموا أحدا خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداء للأمانة، وعرفانا للحق.
سار هذا المنهج يشق له طريقا في مسار التاريخ محافظا على صفائه ونقائه تماما كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها، فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.
هذا المنهج كهذا النهر، شق له طريقا في أرض التاريخ ينبوعه القرآن