وكما أن الإسلام وسط بين الأديان، فإن أهل السنة استقروا في وسط الوسط بين الفرق والمذاهب وتوسطهم في هذه المسألة أنهم قالوا: إن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان". ولهذا مذهبهم أن الإيمان يتفاضل ويتبعض، وهذا -كما قال ابن تيمية- مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم١.
ولهذا، فإنهم لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه وتعالى في آية القصاص: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ٢، وقال سبحانه: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ ٣.
ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم٤.
وقالوا: إن أهل الكبائر لا يخلدون في النار كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ الآية٥. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ مما يستدل به أهل السنة على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، وأما دخول كثير من أهل الكبائر النار فهذا مما تواترت به السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تواترت بخروجهم من النار٦.
٢ سورة البقرة: من الآية ١٧٨.
٣ سورة الحجرات: من الآيتين ٩، ١٠.
٤ مجموع الفتاوى: ابن تيمية ج٣ ص١٥١-١٥٢.
٥ سورة فاطر: من الآيتين ٣٢، ٣٣.
٦ مجموع الفتاوى: ابن تيمية ج١١ ص١٨٤.