بما يزول به الباطل، ويظهر به الحق، ويُذعن له المؤمنون، ويحكِّمونه فيما بينهم، ثم لا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضى ويسلموا تسليمًا.
بل لم يكن ﷺ في كل هذا أو ذاك ينتظر وقوع حادثة أو سؤال سائل؛ بل كان يشرح لهم جوانب العقيدة، ويبسط لهم أحكام الشريعة على كل حال وفي كل آنٍ، قد يبين هذا من نفسه، وقد تنزل به آيات القرآن؛ فصار هذان منهلَيْنِ ينهل منهما العلماء الأحكام الشرعية.
إذًا فلم تكن السنة وحدها مختصة ببيان الأحكام، ولم يكن القرآن الكريم كذلك؛ بل هما معًا المصدر الحق لاستمداد كل هذا.
ولا شك أن دلالة النصوص القرآنية لا تظهر بصورة شاملة للحُكْم في كثير من الأحوال، كما أنها لا تدل بصورة قطعية على الأحكام في بعض الأحوال.
كما أن السُّنة النبوية ليست على درجة واحدة في الثبوت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل هي تتفاوت بين الصحة والضعف؛ فكان لزامًا لمن أراد استنباط الأحكام الشرعية أن يأخذ بالكتاب والسُّنة معًا، فكلاهما مبيِّن للآخر بالخصوص والعموم أو الإطلاق والتقييد وغير ذلك، ولا يُنكر هذا إلا مكابر معاند.
ولهذه الاختلافات في دلالة النصوص القرآنية، وتفاوت ثبوت بعض الأحاديث، وللعَلاقة الثابتة بين الكتاب والسنة، لهذا كله أصبح المجال في غالبه مجال اجتهاد وإعمال ذهن واستنباط؛ بل سَمِّه فقهًا.
وبهذا نكون نشأة الفقه مبكرة في صدر الإسلام؛ لكن تطور الاختلاف في الفروع إلى أن يكون لكل طريقة في الاستنباط مذهب فقهي، له قواعده وأصوله ومنهجه في استخراج الأحكام؛ إنما حدث في القرن الثاني الهجري؛ حيث نشأت المذاهب الفقهية المعروفة، والمعترَف بسلامة أصولها وصحة قواعدها، وهي:
١- المذهب الحنفي.
٢- المذهب المالكي.
٣- المذهب الشافعي.
٤- المذهب الحنبلي.