الحجاب:
وقد أفاض في الحديث -جزاء الله خيرًا - عن حجاب المرأة المسلمة وأجاد، ولئن كان لا يتسنى لنا أن نشم كل الورود التي قطفها كما قال في مقدمة تفسيره، فإنه أيضًا لا يسعنا إلا أن نقف عند بعضها وقفة تُبهج النفس وتمتع النظر وتشنف الأسماع بسامي المعاني وقويم العبارات.
وكان مما قال في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ ١ الآية.
قال تحت عنوان: "الأحكام الشرعية"، وتحت الحكم الثاني:
وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل: فجميع بدنها عورة على الصحيح، وهو مذهب "الشافعية والحنابلة"، وقد نص
الإمام أحمد -رحمه الله- على ذلك فقال: وكل شيء من المرأة عورة حتى الظفر، وذهب "مالك وأبو حنيفة" إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا "الوجه والكفين"، ولكل أدلة سنوضحها بإيجاز إن شاء الله تعالى.
أدلة المالكية والأحناف:
استدل المالكية والأحناف على أن "الوجه والكفين" ليسا بعورة بما يلي:
أولًا: قوله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ فقد استثنت الآية ما ظهر منها؛ أي: ما دعت الحاجة إلى كشفه وإظهاره وهو الوجه والكفان. وقد نُقِلَ هذا عن بعض الصحابة والتابعين؛ فقد قال "سعيد بن جبير" في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قال: الوجه والكف. وقال "عطاء": الكفان والوجه، وروي مثله عن الضحاك.

١ سورة النور: الآيتين ٣٠، ٣١.


الصفحة التالية
Icon