نعم، إن الإسلام شرع عقوبة قطع يد السارق، وهي عقوبة صارمة؛ ولكنه أمن الناس على أموالهم وأرواحهم، وهذه اليد الخائنة التي قُطعت إنما هي عضو أشل تأصل فيها الداء والمرض، وليس من المصلحة أن نتركها حتى يسري المرض إلى جميع الجسد؛ ولكن الرحمة أن نبرتها ليسلم سائر البدن، ويد واحدة تُقطع كفيلة بردع المجرمين، وكف عدوانهم، وتأمين الأمن والاستقرار للمجتمع.
فأين تشريع هؤلاء من تشريع الحكيم العليم، الذي صان به النفوس والأموال والأرواح!! "١.
هذا ما قاله -وفقه الله- في هذا الحد الشرعي، وأحب أن أهمس في أذنه -ومثله خبير بهذا- أن أولئك القوم ما نقموا هذه الحدود لبشاعتها بزعمهم، وما نقموها لوحشيتها كما يدعون؛ وإنما نقموها لأنهم ينقمون أصلها؛ أعني: الدين الإسلامي كله، وفي التاريخ المعاصر شواهد على ما أقول كثيرة، إن أردت أن أذكر منها شاهدًا واحدًا ذكرت موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أم المكائد والمشاكل في العصر الحديث؛ من باكستان الإسلامية، ما أن فكرت أو اتجهت باكستان لصناعة القنبلة الذرية؛ حتى وضعت أمامها العراقيل والعقبات، وحتى صاحت في آذان جنودها: احذروا القنبلة الذرية الإسلامية، لم ترفع هذه الصيحة وهذا النداء وهذه السمة ضد القنبلة النصرانية، ولا ضد القنبلة الشيوعية ولا اليهودية، ولا حتى الهندوسية؛ ولكن قد كانت الدولة المعنية تحمل الصبغة الإسلامية، فإن لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي توقف آية مساعدة عسكرية أو تكنولوجية لباكستان ما لم يلتزم الرئيس الأمريكي، بأن لا تجوز باكستان سلاحًا نوويًّا أو تسعى لحيازة مثل هذه الأسلحة٢.
لا أقصد من هذا أن أقول: لا تردوا على شبهاتهم في الحدود ونحوها؛ لأن عداءهم أكبر من ذلك؛ ولكني قصدت القول: لا تطمعوا منهم باعتراف، ولا تمنوا أنفسكم به، وصدق الله العظيم ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ ٣.

١ المرجع السابق ج١ ص٥٥٧، ٥٥٨.
٢ جريدة الرياض، العدد ٥٧٦٤ يوم الأربعاء ٢/ ٧/ ١٤٠٤هـ ص٢١.
٣ سورة الصف: من الآية ٨.


الصفحة التالية
Icon