نفس الرسول هذه الرجة وحالته النفسية في مثل هذه اللحظات، وما يحس به من ألم لا يطاق"١.
وأخيرا اقرأ ما جاء في مقدمته لتفسير سورة الأنعام قال رحمه الله تعالى: "وهذه السورة -مع ذلك- تعالج موضوعها الأساسي بصورة فريدة، إنها في كل لمحة منها وفي كل موقف وفي كل مشهد تمثل الروعة الباهرة، الروعة التي تبده النفس، وتشده الحس، وتبهر النفس أيضا وهو يلاحق مشاهدها وإيقاعها وموحياتها مبهورا! نعم هذه حقيقة! حقيقة أجدها في نفسي وحسي وأنا أتابع سياق السورة ومشاهدها وإيقاعاتها"، إلى أن قال: "والحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن وقراءته والاطلاع على علومه. إن هذا ليس "جو القرآن" الذي نعنيه؛ إن الذي نعنيه بالحياة في جو القرآن أن يعيش الإنسان في جو وفي ظروف وفي حركة وفي معاناة وفي صراع وفي اهتمامات كالتي كان ينزل فيها هذا القرآن، هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان فيتذوق هذا القرآن، فهو في مثل هذا الجو نزل، وفي مثل هذا الخضم عمل والذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن القرآن مهما استغرقوا في مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه والمحاولة التي نبذلها لإقامة القنطرة بين المخلصين من هؤلاء وبين القرآن ليست بالغة شيئا إلا بعد أن يجتاز هؤلاء القنطرة ويصلوا إلى المنطقة الأخرى، ويحاولوا أن يعيشوا في جو القرآن حقا بالعمل والحركة، وعندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن ويتمتعون بهذه النعمة التي ينعم الله بها على من يشاء"٢.
عفوا أيها الأحبة هل ينكر أحد بعد ذلك أثر التذوق القرآني في التفسير؟ وهذا سيد قطب رحمه الله تعالى يعلن مرارا أنه قرأ كثيرا من الآيات لكنه لم يدرك في كل قراءاته السابقة ما أدركه بعد ما عاش في الجو القرآن وتذوق القرآن.

١ في ظلال القرآن: ج٤ ص٢٠٣٦.
٢ في ظلال القرآن: ج ص١٠١٥-١٠١٧ باختصار.


الصفحة التالية
Icon