إن بني إسرائيل هم أول من واجه الدعوة الإسلامية بالعداء والكيد والحرب في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها فلم يكن بد من كشفهم للجماعة المسلمة؛ لتعرف من هم أعداؤها؛ ما طبيعتهم؟ وما تاريخهم؟ وما وسائلهم؟ وما حقيقة المعركة التي تخوض معهم؟
وقد علم الله أنهم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله كما كانوا أعداء هدى الله في ماضيهم كله، فعرض لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفا ووسائلهم كلها مكشوفة.
وأنهم أصحاب آخر دين قبل دين الله الأخير، ووقع منهم الانحراف في العقيدة والنقض المتكرر لميثاق الله معهم، ووقع في حياتهم آثار هذا النقض وهذا الانحراف كما وقع في أخلاقهم وتقاليدهم فاقتضى هذا أن تلم الأمة المسلمة -وهي وارثة الرسالات كلها وحاضنة العقيدة الربانية بجملتها- بتاريخ القوم وتقلبات هذا التاريخ وتعرف مزالق الطريق وعواقبها ممثلة في حياة بني إسرائيل وأخلاقهم؛ لتضم هذه التجربة في حقل العقيدة والحياة إلى حصيلة تجاربها وتنتفع بهذا الرصيد وتنفع على مدار القرون.
وإن الأمة المسلمة التي سيمتد تاريخها حتى تقوم الساعة ستصادفها فترات تمثل فيها فترات من حياة بني إسرائيل، فجعل أمام أئمة هذه الأمة وقادتها ومجددي الدعوة في أجيالها الكثيرة نماذج من العقابيل التي تلم بالأمم يعرفون منها كيف يعالجون الداء بعد معرفة طبيعته.
وهناك جوانب شتى لحكمة الله تعالى في تفصيل قصة بني إسرائيل لا يملك معها -كما يقول- المضي أكثر من هذه الإشارات السريعة.
ثم بين رحمه الله تعالى بعض الجوانب التي قد يلاقيها الداعية وضرب أمثلة منها مما لاقاه موسى عليه السلام مع قومه.. جربهم وقد أخرجهم من أرض مصر وحررهم من الذل والهوان، باسم الله وبسلطان الله الذي فرق لهم البحر، وأغرق لهم فرعون وجنده. فإذا هم يمرون على قوم


الصفحة التالية
Icon