لأنفسهم عذرا بعجزهم عن مجاراته ويدرؤون عن أنفسهم معرة الإفحام فأخطأوا السبيل وهم لا يعُونَ لهول الصدمة لم يجعلوا هذا البشر المزعوم منهم فهم يعرفون قصورهم عن درك هذا القول، فنسبوه إلى رجل هل تدرون من هو؟! إذًا ستسخرون!! لرجل كان حدادًا منهمكًا في مطرقته وسندانه عامي الفؤاد لا يعلم الكتاب إلا أماني أعجمي اللسان لا تعدو قراءته أن تكون رطانة لا يعرفها محمد ﷺ ولا أحد من قومه. ولكن ذلك كله لم يكن ليحول بينه وبين لقب "الأستاذية" الذي منحوه إياه على رغم أنف الحاسدين!
هكذا ضاقت بهم دائرة الجدر فما وسعهم إلا فضاء الهزل وهكذا مضوا في هزلهم حتى خرجوا عن وقار العقل، فكان مثلهم كمثل من يقول: إن العلم يستقي من الجهل وإن الإنسان يتعلم كلامه من الببغاء! وكفى بهذا هزيمة وفضيحة لقائله: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ ١، ٢.
ومع هذا فإنا نسمع حينا في دياجير الظلام أصواتا لم تستطع أن تخرق طبقات الحق إلى ظلمة الباطل فلا تجد إلا الاعتراف والإذعان فتقول: "والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر" لكنها لا تلبث وقد طغى عليها العناد إلا أن تعود إلا ضلالها، فتزعم الباطل كره أخرى.
والاعترافات عديدة والعناد كثير لذا فلم يكلف رسول الله ﷺ أن "يهدي من أحب" ومن لم يحب أيضا إلى الإيمان، وإنما كلف بأن يسمع المشركين كلام الله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ ٣ لم يكلف بما بعد الإسماع؛ لأن المانع بعده ليس "الإقناع"، فقد حملته الآيات وإنما هو العناد، والعناد لا تنفع معه الحجة والبرهان، وإذا لم يكن ثم عناد فقد حدثنا القرآن عن قوم:
٢ النبأ العظيم: د. محمد عبد الله دراز ص٦٤.
٣ سورة التوبة: الآية ٦.