قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ ١ فالفجر على هذا هو جنس ذلك الوقت المعروف الذي يظهر فيه بياض النهار في جلد الليل الأسود.
وينبعث الضياء لمطاردة الظلام، وهو وقت تنفُّس الصبح، وهو معهود في كل يوم فصح أن يعرف بالألف واللام، والمراد والله أعلم من ليالٍ عشر يتشابه حالها مع حال الفجر، وهي ما يكون ضوء القمر فيها مطاردًا لظلام الليل إلى أن تغلبه الظلمة، فكأنه وضع التناسب على شيء من التقابل، فضوء الصبح يهزم ظلمة الليل ثم يسطع النهار ولا يزال الضوء إلى الليل وضوء الأهلة في عشر ليال من أول كل شهر يشق الظلام ثم لا يزال الظلام يغالبه إلى أن يغلبه فيسدل على الكون حجبه"٢.
ومثلًا آخر في تفسيره لقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ٣ يقول: "ال" في العسر للاستغراق ولكنه استغراق المعهود عند المخاطبين من أفراده أو أنواعه. فهو العسر الذي يعرض من الفقر والضعف وجهل الصديق وقوة العدو وقلة الوسائل إلى المطلوب ونحو ذلك مما هو معهود ومعروف، فهذه الأنواع من العسر مهما اشتدت وكانت النفس حريصة على الخروج منها طالبة لكشف شدتها، واستعملت من وسائل الفكر والنظر والعمل ما من شأنه أن يعد لذلك في معروف العقل، واعتصمت بعد ذلك بالتوكل على الله حتى لا تضعفها الخيبة لأول مرة ولا يفسخ عزيمتها من تلاقيه عند الصدمة الأولى، فلا ريب أن النفس تخرج منها ظافره إلى أن قال: "وتنكير اليسر؛ لأن الذي يأتي بعد العسر أي نوع من أنواعه لا يختص بيسر معين، والتعبير بالمعية لتوثيق الأمل بأنه لا بد منه كأنه معه"٤.
ومثلا ثالثا لكنه لتلميذه محمد رشيد رضا في تفسير كلمة ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
٢ تفسير جزء عم: الشيخ محمد عبده، ص٧٦-٧٧.
٣ سورة الشرح: الآيتين ٥-٦.
٤ تفسير جزء عم: الشيخ محمد عبده، ص١١٤-١١٦.