نقول: إن نظرية القوم في الجوع ليس ذات أساس سليم وهي غريبة عن الروح الإسلامية؛ بل إنها ليست في شيء من روح القرآن في مثل قوله: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ ١، أيها المهتدون بهدي القرآن: أحسبكم تقدرون ما قصد إليه هذان الحديثان عن فلسفة الجوع في عمل الفقهاء ورياضة الصوفية، وأن هذا الجوع ليس أفضل العبادة ولا مخ الطاعة بل نقول في طمأنينة: إن هذا الجوع ليس مخ الصوم نفسه، وليس من الصواب أن يكون الجوع طابع الصوم الظاهر عند المتكلمين في الحكمة وفضل الصوم وحبذا الصوم إمساكا عن جميع الأهواء والأخطاء والعوائد الواهمة والفاسدة؛ ليكون الصوم رياضة مُصلِحة للنفوس، مجدية على الفرد والجماعة مروضة على ما لا يسهل الارتياض عليه في سائر الأوقات؛ لضعف أو إهمال أو عدم رقابة، فيكون رمضان وسيلة إلى التقوى التي رجاها القرآن وختم بها آية هذا الفرض: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَْ﴾ ٢، ٣.
وها أنت ترى الأستاذ يقترب أكثر من قبل إلى أسس منهجه، وإن كان الفاصل لا يزال بعيدا.
تراه في هذه المرحلة الثالثة يولي المفردات عناية خاصة، فينظر لكلمة النزول ويقارن بين ورودها في الآية التي يتناولها وبين ورودها في آيات أخرى ثم يستنبط المعنى الذي هداه إليه عمله ويظهره وإن خالف فيه كل من سبقه.
وفي الجوع نظر نظرة موضوعية وصل بها إلى أن الجوع ليس طابعا وليس هدفا بل هو لون من العذاب القاسي في تعبير القرآن الأدبي وحسه الفني، ويصل من هذا إلى أن الصوم إمساك عن جميع الأهواء والأخطاء والعوائد الواهمة والفاسدة؛ ليكون الصوم رياضة مُصلِحة للنفوس مجدية على الفرد والجماعة... إلخ.

١ سورة هود: الآية ٥٢.
٢ سورة البقرة: الآية ١٨.
٣ من هدي القرآن في رمضان: أمين الخولي ص١٣٦-١٤٢ باختصار.


الصفحة التالية
Icon