ج ١، ص : ١٠
التي تلت هذا العصر ـ أصبح دستور الشريعة الإسلامية، وترجمان كتابها الكريم.. وكان من هذا أن أصبح تعلّق أكثر العلماء والفقهاء بهذا الفقه أكثر من تعلقهم بكتاب اللّه نفسه.. فهم يرجعون فى كل أمر يعرض لهم إلى مقولات المذهب أو المذاهب الفقهية، فى هذا الأمر أو ذاك، وفى كل داعية من دواعى الحياة، يراد للدين أن يزنها بميزانه، ويقيسها بأحكامه! وطبيعى أنه إذا جاء رأى دينى من محصّل هذا النظر القائم على مقولات المذاهب الفقهية المتضاربة المتخالفة ـ جاء مذعورا قلقا، يموج فى أخلاط من الآراء المتناقضة، والأقوال المتخالفة، لا يكاد المرء يعرف منها وجها من ظهر.
من أجل هذا « تميّعت » مسائل الدين، وغامت فى أنظار المسلمين، فهم إنما يطوفون بها فى إجلال وتقديس، أشبه بإجلال المجهول وتقديسه، لا يقوم فى النفس مقاما ثابتا مطمئنا أبدا، بل سرعان ما يذهب ذلك الشبح الباهت إذا طلع عليه بصيص من نور، أو لمعة من سراب! والقرآن ـ من غير شك أو جدال ـ هو مصدر الشريعة الإسلامية، وهو دستورها القائم أبد الدهر..
وقد استغنى به المسلمون فى الصدر الأول للإسلام، فأغناهم عن كل شىء..
لا يمدون أبصارهم إلى غيره، ولا يأخذون لدينهم ودنياهم إلا بما توحى به إليهم كلماته، وتومىء به إليهم آياته! وطبيعى أن هذا الذي نقوله عن كتاب اللّه، نقوله كذلك فيما ثبت من سنة رسول اللّه، القولية والفعلية، إذ كانت السنة المطهرة تطبيقا شارحا لكتاب اللّه، وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (٧ : الحشر).


الصفحة التالية
Icon