ج ١، ص : ١١٨
ليس بالذي يؤثّر أثره تلقائيا، وإنما شأنه شأن كل قوة فى الوجود.. هو خاضع لأمر اللّه، ماض بحكمه وتقديره :« وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ » فماهم إلا أدوات كأدوات السحر التي فى أيديهم، وما تلك الأدوات وأفعالها إلا محنة وبلاء عليهم، حيث تعلق آثامها بهم، وينسب شرها إليهم، وفى هذا يقول سبحانه :« وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ » فذلك هو محصّل القوم من هذا العلم الذي تعلموه : الشرّ المحض الذي لا نفع معه :« وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » فهم وإن حققوا نفعا عاجلا فى هذه الدنيا بهذا السّحر الذي تعلموه، فإنهم لا يمسكون من هذا السحر فى الآخرة إلا بما يحزن ويسوء! « وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ».
الآيتان (١٠٤ ـ ١٠٥) [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٤ إلى ١٠٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)
التفسير : الكلمة المنافقة على ألسنة المنافقين، هى سلاح من أسلحة العمل فى سبيل الغايات الخسيسة التي يعملون لها، ولهذا كان اليهود أبرع الناس فى هذه التجارة الخاسرة، تجارة النفاق، بالكلمة، وبالعمل.. معا.
سمعوا المسلمين يهتفون برسول اللّه، تقرّبا :« راعنا يا رسول اللّه »، أي ضمّنا إليك، واجعلنا تحت رعايتك.. فحرفوا الكلم عن مواضعه، شأنهم فى ذلك مع كلام اللّه، ومع كل طيب من الكلم، تأبى نفوسهم إلا أن تمجّه،


الصفحة التالية
Icon