ج ١، ص : ٢٣٧
فى إيمانهم وصبرهم، كما يقول اللّه تعالى :« وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ » (٣١ : سورة محمد) ويقول سبحانه « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ » (١٥٥ : سورة البقرة).
فالذين آمنوا باللّه واتبعوا رسول اللّه، معرّضون لهذا الامتحان الذي يمتحن به المؤمنون، أتباع رسل اللّه، فكم حمل هؤلاء الرسل وأتباعهم من أعباء، وكم لاقوا من أهوال، وكم تجرعوا من غصص، مما رهقهم به سفهاء أقوامهم من جهالات وسفاهات :« مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا » أي اضطربت مشاعرهم وتبلبلت خواطرهم، واستيأسوا وظنّوا أنهم أحيط بهم، فاستعجلوا النصر الذي وعدهم اللّه، كما يقول سبحانه :« كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ » (٢٨ : المجادلة) وقالوا :« مَتى نَصْرُ اللَّهِ ؟ » وكأنهم يقولون فيما يقولون : أين نصر اللّه الذي وعدنا به ؟.
ومن آفاق الحق ومن قلوب أولياء اللّه الراسخين فى الإيمان، يجىء هذا المدد الكريم، يسوق بين يديه بشريات الفرج المرتقب والنصر الموعود :
« أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ».
إن راية الحق لا تنكس أبدا، إذا هى شدّت إلى أيد مؤمنة مستمسكة بالحق، معتصمة بالصبر، مستعدة للبذل والتضحية، فإن المجاهدين تحت هذه الراية، إنما يجاهدون تحت راية اللّه، وحسبهم باللّه معينا وناصرا « أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (٣٢ المجادلة) وقوله تعالى :« وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ » أي ولما تصابوا بما أصيب به من سبقكم من المؤمنين فى الأمم الماضية من شدائد ومحن، فالمثل هنا هو الواقعة المادية، وليس الصورة اللفظية الحاكية لتلك الواقعة.


الصفحة التالية
Icon