ج ١، ص : ٣٤
التفسير : فى إسناد مقول القول « آمنوا » إلى المبنى للمجهول، ما يشعر بأن ضلالهم ـ قد أصبح من الانكشاف والوضوح بحيث أنطق كل موجود فى محيطهم، بدعوتهم إلى الاستقامة، والانتظام فى موكب « الناس »، الذين صانوا إنسانيتهم عن هذا الانحراف السفيه، الذي يعيش فيه المنافقون.
ولهذا جاء قول اللّه تعالى :« كَما آمَنَ النَّاسُ » ولم يجىء :« كما آمن المؤمنون » وفيه ما يدل على أن الإيمان أقرب شىء إلى الفطرة التي فطر الناس عليها، وأن من شأن الناس أن يستجيبوا لدعوة الإيمان، وأن من استجاب للرسول ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ هم الناس، ولا اعتبار لغيرهم.
وجاءت فاصلة الآية هنا :« لا يعلمون » على حين أنها جاءت فى الآية السابقة عليها :« لا يشعرون » وذلك لاختلاف المقام هنا وهناك.
« هُمُ الْمُفْسِدُونَ.. وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ » « هُمُ السُّفَهاءُ.. وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ » الإفساد فى الأرض ـ مع أنه مما يجابه الحواس، ويقع فى محيط إحساسها ـ لا يشعر به أولئك المنافقون، لكثرة ما ألحقوا على هذه الحواس من خداع وتضليل، ولكثرة ما تعالوا معها بالتعمية والتمويه :« أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ ».
والسّفه ـ مع أنه انحراف حاد عن طريق الحق والخير ـ لا يقع فى علم هؤلاء السفهاء، ولا يرون فيه ما يرى الراشدون من الناس من حماقة ومنقصة! :
« أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ ».