ج ١، ص : ٤٥
وفى قوله تعالى :« وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » نظرتان :
النظرة الأولى : إلى العدول عن الكافرين، والتعبير عنهم بالفاسقين، إذ سياق الكلام يقضى بأن يكون الإضلال للكافرين الذين وقفوا من المثل هذا الموقف اللئيم، فقالوا فى استهزاء واستنكار :« ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ؟ » فكان المتوقع أن يكون الجواب هكذا :« يضلّ به كثيرا، ويهدى به كثيرا وما يضلّ به إلّا الكافرين ».
. ولكن لكلام اللّه حساب غير هذا الحساب، وتقدير فوق هذا التقدير، فجاءت فاصلة الآية هكذا :« وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ».
والفسق معناه فى اللغة : الخروج، يقال : فسق، وفسق أي خرج عن طريق الهدى والصلاح، وانفسق الرّطب عن قشره : أي خرج.
والكافر فاسق، لأنه خرج عن طريق الهدى والإيمان، وركب طريق الضّلال والكفر، خرج عن فطرته التي فطره اللّه عليها، ونقض الميثاق الذي واثقه اللّه عليه، فى قوله سبحانه :« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا » (١٧٢ الأعراف) والنظر الثانية : إلى قوله تعالى :« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً.. الآية » فهى جواب عن سؤال أولئك الذين فى قلوبهم مرض، الذين استخفّوا بالأمثال التي يضربها اللّه، ويتخذ مادتها من مخلوقات ضئيلة من خلقه.. فيقولون فى عجب واستنكار : ماذا أراد اللّه بهذا مثلا ؟ فكان جواب الحق جلّ وعلا :« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ » ! والنظرة هنا إلى نسبة الإضلال إلى اللّه سبحانه وتعالى، بضرب


الصفحة التالية
Icon