ج ١، ص : ٧٨
والنعمة التي أنعم اللّه بها على بنى إسرائيل، هى بعث الرسل إليهم، يحملون الهدى والنور، ولكن القوم فى عمى وضلال، وفى شغل بالدنيا لإشباع أطماع قاتلة مسلطة عليهم، فكتموا ما أنزل اللّه، لقاء عرض زائل منّتهم به أنفسهم، من وراء تلك الشهادات المزوّرة التي يدفعون بها إلى كفار قريش، فيما يسألونهم عنه من أمر « محمد » باعتبار أنهم أهل كتاب، وأهل علم، كما قال اللّه تعالى عنهم « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً » (٥١ ـ ٥٢ النساء).
والعهد الذي دعا اللّه بنى إسرائيل إلى الوفاء به، هو ما أخذه اللّه على أهل الكتاب، وأهل العلم منهم خاصة ـ وهو أن يؤدوا هذه الأمانة ـ أمانة العلم ـ التي حملوها إلى الناس، وألا يكتموا منها شيئا، أو يحرفوها على غير الوجه الذي جاءت عليه.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ » (١٨٧ : آل عمران) وكما يشير إليه أيضا قوله سبحانه :« وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ » (٨١ : آل عمران) والمراد بالنبيين هنا النبيون وأتباعهم، فقد أخذ اللّه هذا الميثاق على النبيين ثم أخذه النبيّون على أتباعهم، وبذلك يتناصر المؤمنون، ويجتمعون على كلمة


الصفحة التالية
Icon