ج ١٠، ص : ١٢٢
ونستشعر من هذا أن « موسى » لا يزال يجد الرهبة والخوف من فرعون، وأنه لم تزايله رهبة الموقف بعد، ولا يزال في حاجة إلى هرون يسنده، ويشدّ أزره، ويثبت جنانه.
٣ ـ ثم ها هو ذا « موسى » بعد أن تمرّس بالموقف، وارتاد الطريق، واختبر المواجهة، واحتمل الصدمات الأولى لها ـ ها هو ذا يلقى فرعون وحده، ويسمعه بلسانه مضمون رسالته، فى قوة وصراحة، وتحدّ :
« يا فِرْعَوْنُ..
« إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ..
« حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ..
« قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..
« فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ.. (١٠٤ ـ ١٠٥) (الإسراء) فيا للاعجاز الذي تذلّ لجلاله جباه الجبابرة، وتخضع له أعناق المكابرين، وتعنو له وجوه السفهاء المتطاولين..
« يا فرعون » ! هكذا يقولها موسى في وجه فرعون.. يناديه باسمه، متحدّيا، وينتزعه من سلطانه وجبروته انتزاعا.. فى غير تلطف أو رفق، أو مبالاة.
إنّها فعلة من يقدم على أمر محفوف بالمخاطر، بعد خوف، وتردد، حتى إذا لم يجد من المواجهة بدا ألقى بنفسه إليه، مخاطرا، يتوقع ما يطلع عليه وراء فعلته تلك من أهوال.
وما كان لموسى أن يقول هذه القولة :« يا فرعون » ولا أن يقول بعدها :
« إنى » بهذا الضمير المحقّق لشخصيته، المؤكد لذاته :« إنّى » لا أحد غيرى